من التسوّل إلى التكافل: كيف غيّر العمل المؤسساتي وجه الصدقة في العراق؟
التاريخ

شهد المجتمع العراقي، بعد العام 2003، تحولاتٍ عميقة في مختلف المجالات، من بينها المجال الخيري والاجتماعي، حيث أخذت ثقافة الصدقة تنتقل من نمطها الفردي العشوائي إلى إطار مؤسساتي منظم وفاعل.
وبينما تفاقمت ظاهرة التسول، واتخذها البعض وسيلة للربح السريع دون استحقاق، ظهرت في المقابل مبادرات مؤسساتية تضع الضوابط وتوجه العطاء نحو مستحقيه الحقيقيين، وفي طليعتها جاءت مؤسسة مبرّات التضامن لرعاية وتأهيل الأيتام في محافظة ذي قار.
من أبرز إنجازات المبرّات في هذا المجال تأسيس شعبة صناديق الصدقات، التي تبنّت آلية منظمة لجباية التبرعات عبر نشر الصناديق في البيوت والمحلات والمؤسسات الرسمية، بهدف دعم الأيتام والعوائل المتعففة بشكل مستدام ومدروس.
وقد أسهمت هذه الصناديق في تحقيق إنجازات ملموسة تمثّلت في:
تأمين أجهزة كهربائية ومنزلية أساسية لعوائل الأيتام المحتاجة.
دعم مشاريع ترميم وبناء منازل لعوائل الأيتام والمتعففين في عموم المحافظة.
اعتماد آلية توزيع شفافة تعتمد على مبدأ الجباية من المنطقة والتوزيع داخلها، بحيث يتم صرف أموال الصناديق في نفس القضاء أو الناحية التي تم فيها جمعها، كأن يتم توزيع أموال الجباية في سوق الشيوخ على عوائل الأيتام ضمن قضاء سوق الشيوخ، وهكذا في باقي مناطق ذي قار.
هذا النهج يحقق عدالة جغرافية وإنسانية، ويعزز ثقة المتبرعين المحليين بأن تبرعاتهم تصب مباشرة في خدمة المحتاجين ضمن مجتمعاتهم.
وخلال الأيام الماضية، كرّمت إدارة مبرّات التضامن عددًا من أصحاب الصناديق والمندوبين الفاعلين، الذين ساهموا بجهود مخلصة في نشر ثقافة الصدقة وتعزيز قيم العطاء والتكافل الاجتماعي، وذلك في خطوة تعبّر عن الامتنان والتحفيز للاستمرار والتوسع في هذا العمل المبارك.
إن التجربة التي تقدمها شعبة صناديق الصدقات ليست مجرد وسيلة لجمع المال، بل هي رؤية متكاملة لبناء مجتمع متماسك، ينهض بأبنائه ويرفع من معاناة شرائحه الهشّة، دون إثارة العاطفة فقط، بل عبر مؤسسات تخطط وتنفذ وتراقب وتُطوّر.
وهكذا، يتجلى في نموذج مبرّات التضامن ومبادراتها مثالٌ حي على أن الصدقة عندما تُدار بعقلٍ مؤسساتي، تصبح أكثر أثرًا وعدالة واستدامة، وتتحول من إحسان فردي إلى مشروع مجتمعي ناضج يسهم في البناء الاجتماعي ويواجه ظواهر سلبية كالتسول والتهميش والتفكك الأسري.