وفي اليتامى وصية ربانية... أبناء التضامن يسيرون نحو المستقبل بكرامةٍ وعلم
التاريخ

قال الله تعالى:
"فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ" (الضحى: 9)
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ" (البقرة: 220)
"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" (الإنسان: 8-9)
صدق الله العلي العظيم
إنها كلمات الله العليّ، ترسم بوصلةً للأمة نحو رعاية من لا سند لهم، من قُطعوا من حنان الأبوة، واحتاجوا إلى دفء المجتمع وحنان القلوب. وفي محافظة ذي قار، كانت الاستجابة لهذه التوصيات الربانية، حاضرة في ميدان العمل الواقعي، من خلال مشروع مبرات التضامن لرعاية وتأهيل الأيتام.
١١٤ طالبًا من الأيتام المتخرجين من مدارس التضامن، يحظون اليوم برعاية متميزة عبر برنامج شهري للدعم العلمي والاجتماعي، يشرف عليه مكتب المبرات، ليكون امتدادًا لمسيرة احتضانهم، التي بدأت منذ مراحلهم الأولى في التعليم، واستمرت حتى وصلوا إلى الجامعات، وقد أُحيطوا بالعناية والدعم والتوجيه.
هؤلاء الطلبة هم جزء من كوكبةٍ تضم نحو ١٥٠٠ يتيم، تتوزع رعايتهم على مدارس التضامن المنتشرة في أقضية ونواحي محافظة ذي قار، وهي رعاية شاملة، تبدأ بالتعليم، ولا تنتهي إلا حين يبلغ اليتيم مرحلة الاعتماد على النفس، والاندماج في سوق العمل، سواءً في مؤسسات الدولة أو ميادين العمل الحر.
يقول سماحة الشيخ محمد مهدي الناصري، المشرف العام لمبرات التضامن:
"إننا نؤمن أن اليتيم أمانة في أعناقنا، وأداء الأمانة لا يكون إلا بتوفير بيئة آمنة، ترعى طاقته، وتغذّي وجدانه، وتصنع مستقبله. وقد سعينا إلى تحويل الألم إلى أمل، والحرمان إلى فرصة."
ويؤكد سماحته أن الهدف لا يقتصر على التعليم، بل يشمل المعالجة الاجتماعية والمادية والصحية، وبناء شخصية متوازنة لليتيم، ليكون عضواً فعّالًا في مجتمعه، لا يشعر بالنقص، بل يتسلّح بالعلم والكرامة.
وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
"ما من عبدٍ يمسح يده على رأس يتيمٍ رحمةً له، إلا أعطاه الله بكل شعرةٍ مرّت عليها يده حسنة، وحرّم الله بها وجهه على النار."
(الكافي، ج6، ص49)
وفي وصية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر:
"اللهَ اللهَ في الأيتام، فلا تُغبّوا أفواههم، ولا يُضيّعوا بحضرتكم..."
(نهج البلاغة، الكتاب 47)
إن مسيرة مبرات التضامن في محافظة ذي قار، تمثل أنموذجًا يُحتذى به في العمل الإنساني القيمي، حيث تتلاقى الوصية الإلهية مع العطاء الواقعي، ويصبح اليتيم شريكًا في صناعة النهوض لا عبئًا على أحد.
فهنيئًا لكل من ساهم في هذه المسيرة، ودعمها، وكان سببًا في بناء جيلٍ من الأيتام يفتخر بعلمه وكرامته، ويشقّ طريقه نحو المستقبل بقلب مطمئن ونفسٍ مؤمنة.